كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما في الدنيا: فلأن ما يرزقهن منه يوفقن لصرفه على وجه يكون فيه أعظم الثواب ولا يخشى من أجله نوع عقاب. وأما في الآخرة: فلا يوصف ولا يحد ولا نكد فيه أصلًا ولا كدّ، وهذا ما جرى عليه البقاعي وهو أولى مما جرى عليه كثير من المفسرين من الاقتصار على رزق الجنة، وعلله الرازي بقوله: ووصف رزقًا بكونه كريمًا مع أن الكريم لا يكون وصفًا إلا للرازق، وذلك إشارة إلى أن الرزق في الدنيا مقدر على أيدي الناس، فإن التاجر يسترزق من السوقة، والعاملون والصناع من المستعملين، والملوك من الرعية والرعية منهم، فالرزق في الدنيا لا يأتي بنفسه إنما هو مسخر للغير يكتسبه ويرسله إلى الأعيان، وأما في الآخرة فلا يكون له مرسل وممسك في الظاهر فهو الذي يأتي بنفسه فلأجل هذا لا يوصف في الدنيا بالكريم إلا الرازق، وفي الآخرة يوصف بالكريم نفس الرزق. انتهى.
ولما ذكر تعالى أن عذابهن ضعف عذاب غيرهن وأجرهن مثل أجر غيرهن صرن كالحرائر بالنسبة إلى الإماء قال تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد} قال البغوي: ولم يقل كواحدة لأن الأحد عام يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، والمعنى: لستن كجماعة واحدة {من} جماعات {النساء} إذا تقصيت جماعة النساء واحدة واحدة لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة. ومنه قوله تعالى: {والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم} يريد بين جماعة واحدة منهم تسوية بين جميعهم في أنهم على الحق المبين وقوله تعالى: {لا نفرق بين أحد من رسله}.
وقوله تعالى: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} والحمل على الأفراد بأن يقال: ليست كل واحدة منكن كواحدة من آحاد النساء صحيح بل أولى ليلزم تفضيل الجماعة، بخلاف الحمل على الجمع، وعن ابن عباس معنى لستن كأحد من النساء: يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم لدي.
ولما كان المعنى بل أنتن أعلى النساء ذكر شرط ذلك بقوله تعالى: {إن اتقيتن} الله تعالى أي: جعلتن بينكن وبين غضب الله تعالى وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم وقاية، ثم سبب عن هذا النهي قوله تعالى: {فلا تخضعن} أي: إذا تكلمتن بحضرة أجنبي {بالقول} أي: بأن يكون لينًا عذبًا رخمًا، والخضوع التطامن والتواضع واللين، ثم سبب عن الخضوع قوله تعالى: {فيطمع} أي: في الخيانة {الذي في قلبه مرض} أي: فساد وريبة من فسق ونفاق أو نحو ذلك، وعن زيد بن علي قال: المرض مرضان: مرض زنا، ومرض نفاق، وعن ابن عباس: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى: {فيطمع الذي في قلبه مرض} قال: الفجور والزنا قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الأعشى وهو يقول:
حافظ للفرج راض بالتقى ** ليس ممن قلبه فيه مرض

والتعبير بالطمع للدلالة على أن أمنيته لا سبب لها في الحقيقة؛ لأن اللين في كلام النساء خلق لهن لا تكلف فيه، وأريد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم التكلف للإتيان بهذه بل المرأة مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع.
ولما نهاهن عن الاسترسال مع سجية النساء في رخاوة الصوت أمرهن بضده بقوله تعالى: {وقلن قولًا معروفًا} أي: يعرف أنه بعيد عن محلِّ الطمع من ذكر الله وما تحتجن إليه من الكلام مما يوجب الدين والإسلام بتصريح وبيان من غير خضوع.
ولما أمرهن بالقول وقدمه لعمومه أتبعه الفعل بقوله تعالى: {وقرن} أي: اسكن وامكثن دائمًا {في بيوتكن} فمن كسر القاف وهم غير نافع وعاصم جعل الماضي قرر بفتح العين، ومن فتحه وهو نافع وعاصم فهو عنده قرر بكسرها وهما لغتان. قال البغوي: وقيل وهو الأصح: أنه أمر من الوقار كقوله: من الوعد عدن، ومن الوصل صلن أي: كن أهل وقار وسكون من قوله: وقر فلان يقر وقورًا إذا سكن واطمأن انتهى. ومن فتح القاف فخم الراء، ومن كسرها رقق الراء، وعن محمد بن سيرين قال: نبئت أنه قيل لسودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مالك لا تحجين ولا تعتمرين كما تفعل أخواتك فقالت: قد حجبت واعتمرت، وأمرني الله أن أقر في بيتي فوالله لا أخرج من بيتي حتى أموت، قال فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى خرجت بجنازتها.
واختلف في معنى التبرج في قوله تعالى: {ولا تبرجن} فقال مجاهد وقتادة: هو التكسر والتغنج، وقال ابن جريج: هو التبختر وقيل: هو إبراز الزينة وإبراز المحاسن للرجال، وقرأ البزي بتشديد التاء في الوصل والباقون بالتخفيف، واختلف أيضًا في معنى قوله تعالى: {تبرج الجاهلية الأولى} فقال الشعبي: هي ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وقال أبو العالية: هي زمن داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام، كانت المرأة تتخذ قميصًا من الدر غير مخيط الجانبين فيرى خلقها منه، وقال الكبي: كان ذلك في زمن نمروذ الجبار، كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره، وتعرض نفسها على الرجال.
وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: الجاهلية الأولى فيما بين نوح وإدريس عليهما السلام، وكانت ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل، والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صباحًا، وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحًا، وفي الرجال دمامة، وإن إبليس أتى رجالًا من أهل السهل وأجر نفسه منهم فكان يخدمهم، واتخذ شيئًا مثل الذي يزمر به الرعاء، فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله، فبلغ ذلك من حوله فأتوه وهم يستمعون إليه، واتخذوا عيدًا يجتمعون إليه في السنة فيتبرج النساء للرجال ويتزين الرجال لهن، وأن رجلًا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهنّ فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فنحوا إليهم فنزلوا معهم وظهرت الفاحشة بينهم فذلك قوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.
وقال قتادة: ما قبل الإسلام وقيل: الجاهلية الأولى ما ذكرنا، والجاهلية الأخرى قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان وقيل: الجاهلية الأولى ما كانوا عليه قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام، ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر كما في الصحيحين: «إن فيك جاهلية كفر وإسلام» وقول البيضاوي عن أبي الدرداء، قال ابن حجر: لم أجده عن أبي الدرداء وقيل: قد تذكر الأولى وإن لم تكن لها أخرى كقوله تعالى: {وإنه أهلك عادًا الأولى} ولم تكن لها أخرى.
ولما أمرهن بلزوم البيوت للتخلية عن الشوائب أرشدهن إلى التحلية بالرغائب بقوله تعالى: {وأقمن الصلاة} أي: فرضًا ونفلًا صلة لما بينكن وبين الخالق {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.
{وآتين الزكاة} إحسانًا إلى الخلائق وفي هذا بشارة بالفتوح وتوسيع الدنيا عليهن، فإن العيش وقت نزولها كان ضيقًا عن القوت فضلًا عن الزكاة.
ولما أمرهن بخصوص ما تقدم لأنهما أصل الطاعات البدنية والمالية، ومن اعتنى بهما حق الاعتناء جرتاه إلى ما وراءهما تمم وجمع في قوله تعالى: {وأطعن الله} أي: الذي له صفات الكمال {ورسوله} أي: الذي لا ينطق عن الهوى فيما أمرا به ونهيا عنه {إنما يريد الله} أي: الذي هو ذو الجلال والإكرام بما أمركن به ونهاكن عنه من الإعراض عن الزينة وما يتبعها والإقبال عليه {ليذهب} أي: لأجل أن يذهب {عنكم الرجس} أي: الإثم الذي نهى الله تعالى عنه النساء قاله مقاتل، وقال ابن عباس: يعني عمل الشيطان وما ليس فيه رضا الرحمن. وقال قتادة: يعني السوء وقال مجاهد: الرجس الشك وقوله تعالى: {أهل البيت} في ناصبه أوجه: أحدها: النداء أي: يا أهل البيت، أو المدح أي: أمدح أهل البيت، أو الاختصاص أي: أخص أهل البيت كما قال صلى الله عليه وسلم: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» والاختصاص في المخاطب أقل منه في المتكلم، وسمع: منك الله نرجو الفضل والأكثر إنما هو في المتكلم كقولها:
نحن بنات طارق ** نمشي على النمارق

وقولهم:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل ** الموت أحلى عندنا من العسل

وقولهم:
نحن العرب أقرى الناس للضيف

واختلف في أهل البيت والأولى فيهم ما قال البقاعي: إنهم كل من يكون من إلزام النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء والأزواج والإماء والأقارب، وكلما كان الإنسان منهم أقرب وبالنبي صلى الله عليه وسلم أخص وألزم كان بالإرادة أحق وأجدر ويؤيده قول البيضاوي، وتخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله تعالى عنهم؛ لما روي أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات غدوة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجلس فجاءت فاطمة فأدخلها فيه، ثم جاء علي فأدخله فيه، ثم جاء الحسن والحسين فأدخلهما فيه، ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} والاحتجاج بذلك على عصمتهم وكون إجماعهم حجة ضعيف.
وعن ابن عباس أنهم نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأنهن في بيته وتلا قوله تعالى: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله}.
وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: «في بيتي أنزل {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال: هؤلاء أهل بيتي فقلت: يا رسول الله ما أنا من أهل البيت فقال بلى إن شاء الله» وقال زيد بن أرقم: أهل بيته من حرم الصدقة بعده آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال الرازي: والأولى أن يقال لهم أولاده وأزواجه والحسن والحسين، وعلي منهم لأنه كان من أهل بيته لمعاشرته بنت النبي صلى الله عليه وسلم ولملازمته له.
ولما استعار للمعصية الرجس استعار للطاعة الطهر ترغيبًا لأصحاب الطباع السليمة والعقول المستقيمة في الطاعة وتنفيرًا لهم عن المعصية بقوله تعالى: {ويطهركم} أي: يفعل في طهركم الصيانة عن جميع القاذورات الحسية والمعنوية فعل المبالغ فيه، وزاد ذلك عظمًا بالمصدر بقوله تعالى: {تطهيرًا} وعن ابن عباس قال: شهدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} الصلاة رحمكم الله كل يوم خمس مرات، ثم بين تعالى ما أنعم الله به عليهن من أن بيوتهن مهابط الوحي بقوله تعالى: {واذكرن} أي: في أنفسكن ذكرًا دائمًا، واذكرنه لغيركن على جهة الوعظ والتعليم {ما يتلى} أي: يتابع ويوالى ذكره {في بيوتكن} أي: بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم الذي خيركن. وقوله تعالى: {من آيات الله} أي: القرآن بيان للموصول فيتعلق بأعني، ويجوز أن يكون حالًا إما من الموصول، وإما من عائده المقدر فيتعلق بمحذوف أيضًا، واختلف في قوله تعالى: {والحكمة} فقال قتادة: يعني السنة، وقال مقاتل: أحكام القرآن ومواعظه {إن الله} أي: الذي له جميع العظمة {كان} أي: ولم يزل {لطيفًا} أي: يوصل إلى المقاصد بلطائف الأضداد {خبيرًا} أي: بجميع خلقه يعلم ما يسرون وما يعلنون لا تخفى عليه خافية، فيعلم من يصلح لبيت النبي صلى الله عليه وسلم ومن لا، وما يصلح الناس دينًا ودنيا، وما لا يصلحهم. والطرق الموصلة لكل ما قضاه وقدره وإن كانت على غير ما يألفه الناس.
من انقطع إلى الله كفاه الله تعالى كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها، ولقد صدق الله تعالى وعده في لطفه وحقق بره في خبره بأن فتح على نبيه صلى الله عليه وسلم خبير، فأفاض بها من رزقه الواسع، ولما توفى نبيه صلى الله عليه وسلم ليحميه من زهرة الحياة الدنيا فتح الفتوحات الكبار من بلاد فارس والروم ومصر وما بقي من اليمن، فعم الفتح جميع الأقطار، الشرق والغرب والجنوب والشمال، ومكن أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم من كنوز تلك البلاد وذخائر أولئك الملوك حتى صار الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يكيلون المال كيلًا، وزاد الأمر حتى دوّن عمر رضي الله تعالى عنه الدواوين.
وفرض للناس عامة أرزاقهم حتى للرضعاء، وكان أولًا لا يفرض للمولود حتى يفطم، فكانوا يستعجلون بالفطام فنادى مناديه لا تعجلوا أولادكم بالفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، وفاوت بين الناس في العطاء بحسب القرب من النبي صلى الله عليه وسلم والبعد منه، وبحسب السابقة في الإسلام والهجرة. ونزل الناس منازلهم بحيث أرضى جميع الناس، حتى قدم عليه خالد بن عرفطة فسأله عما وراءه فقال: تركتهم يسألون الله تعالى أن يزيد في عمرك من أعمارهم، قال عمر: إنما هو حقهم، وأنا أسعى بأدائه إليهم وإني لأعم بنصيحتي كل من طوقني الله أمره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات غاشًا لرعيته لم يَرَ ريح الجنة» فكان فرضه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفًا لكل واحدة، وهي نحو ألف دينار في كل سنة، وأعطى عائشة خمسة وعشرين ألفًا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، فأبت أن تأخذ إلا ما تأخذه صواحباتها.
وروي عن برزة بنت رافع قالت: لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها، فلما أدخل إليها قالت: غفر الله لعمر، غيري من أخواتي أقوى على قسم هذا مني قالوا: هذا كله لك قالت: سبحان الله ثم قالت: صبوه واطرحوا عليه ثوبًا، ثم قالت لي: أدخلي يديك واقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من ذوي رحمها وأيتام لها، فقسمته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب قالت برزة بنت رافع: نظر الله لك يا أم المؤمنين والله لقد كان لنا في هذا المال حق قالت: فلكم ما تحت الثوب قالت: فوجدنا تحته خمسمائة وثمانين درهمًا، ثم رفعت يديها إلى السماء وقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا فماتت، قال البقاعي: ذكر ذلك البلاذري في كتاب فتوح البلاد انتهى. وعن مقاتل قال: قالت أم سلمة بنت أبي أمية، ونسيبة بنت كعب الأنصارية للنبي صلى الله عليه وسلم: «ما بال ربنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء في شيء من كتابه نخشى أن لا يكون فيهن خير» فأنزل الله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} أي: الداخلين في الإسلام المنقادين لحكم الله في القول والعمل.
ولما كان الإسلام مع كونه أكمل الأوصاف وأعلاها يمكن أن يكون بالظاهر فقط أتبعه المحقق له وهو إسلام الباطن بالتصديق التام بغاية الإذعان فقال عاطفًا له ولما بعده من الأوصاف التي يمكن اجتماعها بالواو للدلالة على تمكن الجامعين لهذه الأوصاف في كل وصف منها: {والمؤمنين والمؤمنات} أي: المصدقين بما يجب أن يصدق به.
ولما كان المؤمن المسلم قد لا يكون في أعماله مخلصًا قال: {والقانتين والقانتات} أي: المخلصين في إيمانهم وإسلامهم المداومين على الطاعة.
ولما كان القنوت قد يطلق على الإخلاص المقتضى للمداومة، وقد يطلق على مطلق الطاعة قال: {والصادقين والصادقات} أي: في ذلك كله من قول وعمل.
ولما كان الصدق وهو إخلاص القول والعمل عن شوب يلحقه أو شيء يدنسه قد لا يكون دائمًا قال مشيرًا إلى أن ما لا يكون دائمًا لا يكون صدقًا في الواقع: {والصابرين والصابرات} أي: على الطاعات وعن المعاصي.
ولما كان الصبر قد يكون سجية دل على صرفه إلى الله بقوله تعالى: {والخاشعين والخاشعات} أي: المتواضعين لله تعالى بقلوبهم وجوارحهم.
ولما كان الخشوع والخضوع والإخبات والسكون لا يصح مع توفير المال، فإنه سكون إليه قال معلمًا: إنه إذ ذاك لا يكون على حقيقته {والمتصدقين والمتصدقات} بما وجب في أموالهم وبما استحب سرًا وعلانية تصديقًا لخشوعهم.